ومضات :الأخرس "قصخون" الغرام!

المقاله تحت باب  أخبار و متابعات
في 
28/06/2016 06:00 AM
GMT



لا أدري هل هي مجرد مصادفة أم أن في الأمر تَعمدا مسبقا من الكاتب محمد غازي الأخرس لإصدار وتوزيع كتابه الجديد مع بدء أيام شهر رمضان، فالمؤلف يحاكي دور "القصخون" راوي الحكايات الشعبية في المقاهي البغدادية ولا سيما في ليالي رمضان، وكتابه الممتع المدهش الطريف الموسوم "قصخون الغرام.. في متخيل العشاق وأنثروبولوجيا الأنوثة" الصادر عن دار التنوير للطباعة والنشر بأكثر من 300 صفحة من الحجم المتوسط إنما هو موسوعة في قصص وحكايات وأشعار وأبوذيات وسويحلي ودارميات وأغنيات الحب والعشق والغرام، لكن بدلا من أن يحكي الأخرس "قصص عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي وحمزة البهلوان وغيرها" فأنه يقص علينا سيرة العاشقين والعاشقات والمغرمين والمغرمات ابتداء من أساطير آلهة الحب الرافدينية "انانا – عشتار" و "ايزيس" المصرية و"افروديت" الإغريقية ورموزها الجنسية، وصولا إلى مسلسل "العشق الحرام" في المسلسلات التركية، ومرورا بقصص المخيلة الشعبية البغدادية العراقية وأغاني "الهجع" وفي مقدمتها قصيدة "يكاظم مهجتي الهجران عادمها" التي خاطب بها الشاعر الملا جابر ابن الملا عباس صديقه الشاعر كاظم كاطع من أهالي المشخاب وغناها عشرات المطربين وعلى رأسهم داخل حسن وحسن حياوي، وانتشرت أيام الستينات في شريط غنائي "كاسيت" أشتهر باسم "المذبحة"!
شخصيا، وأنا أقلب صفحات الكتاب متمتعا بكل صفحة من صفحاته "القصخونية" لم أفاجأ بلغة الأخرس الباذخة، وأسلوبه الجميل، ومفرداته المتميزة، وانتقالاته الطريفة السلسة بين الأحداث والأزمان، فلقد تدربت على لغته وأسلوبه من كتب وكتابات سابقة، غير أنني دهشت لهذا "المزاج" الرائق الذي أنطوى عليه تأليف هكذا كتاب، ولهذه الملكة على تحليل القصص والحكايات والأشعار والأغاني الشعبية بمختلف بيئاتها المحلية من البداوة إلى الحضارة، ومن المدينة إلى الريف ومن البادية إلى الأهوار، تحليلا سايكولوجيا سيسيولوجيا انثربولوجيا، بالرجوع إلى أمات المراجع والمصادر القديمة والحديثة التي تناولت السحر والطوطمية والجنس في الحضارات القديمة مثل أعمال سيغموند فرويد المعروفة في هذا الميدان، وجيمس فريزر في كتابه الشهير "الغصن الذهبي" فضلا عن بحوث ودراسات التراث الشعبي والأدب العربي وكتب الحضارات القديمة الإغريقية والرافدينية والمصرية، التي جعلت من هذا الكتاب دراسة منهجية أكاديمية أشبه برسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه بدرجة امتياز، مع ان مؤلفه يقول عنه انه "رحلة ممتعة، تتطلب صبرا ودأبا كي نلم بكل خريطتها، فالسحر بحر دون قرار، ودون سواحل أيضا، والغائص فيه يمكن أن يغرق دون أن يعثر على لؤلؤة واحدة. هل تراني عثرت على شيء في هذا الغوص. لا أدري"! فتأمل هذا الصبر والتواضع الجميل أعانك وأعزك ورعاك الله يا صاح!
يتضمن "قصخون الغرام" مدخلا تحت عنوان "مجاز إلى بيت العشاق" وثمانية مباحث هي على التوالي: جلسة برفقة الأشباح: الباكية تحكي، مجلس حسنية: وشوم في كراس أم السحورة، مجلس الحاج زاير: الهوى في الشعر والغناء في الهوى، مجلس الأبنودي: عن "الأيام الحلوة" هنا وهناك، مظفر النواب: جلسة سمر مع عاشقات عصر الحداثة، الشياطين في مجلس الملائكة: إنصات لجماليات الجسد، البحث عن مفاتيح الأنثى: جلسة مع شهرزاد وشقيقها دنيازاد، جلسة في سرداب التابو: حول عشقنا المحرم. اما بطلة الكتاب فهي المرأة، أستطيع أن أزعم مفكرا - يقول الأخرس - إنها ربما ستستعيد دورها القديم، يوم أعطيت كل النواميس، وباتت هي الحاكمة المتحكمة، لا بالرجل فقط، بل بالحياة والعوالم كلها، هذا ما تسره سيرة "انانا" الهة العاشقات ورمزهن المقدس.
لا أريد أن افسد عليكم متعة قراءة هذا الكتاب المكتنز بكل ما هو جميل ومدهش في موروثنا الشعبي العشقي والغنائي والقصصي وعلاقته بالأدب العربي وبالآداب العالمية عموما، فالأخرس سيتولى مهمة قيادتكم الى الكثير من "التابوات المحرمة" التي لا يمكن الإفصاح عنها في مثل هذا المقال وفي مثل هذا الشهر وفي مثل هذا المقام!
دعوا القيادة لقصخون الغرام المعاصر محمد غازي الأخرس، و.... تمتعوا بالرحلة!